نقلة استراتيجية: مصر تعتمد اليوان رسميًا في التجارة لتقليل ضغط الدولار وتعزيز استقلالها النقدي
كشفت الدكتورة نرمين طاحون، الشريك المؤسس لمكتب طاحون للاستشارات القانونية والخبيرة الاقتصادية، أن قرار الحكومة المصرية السماح الكامل للشركات الصينية باستخدام اليوان الصيني في تسجيل معاملاتها التجارية والتعاملات داخل مصر يمثل تحولًا استراتيجيًا بالغ الأهمية في توجه السياسة النقدية والمالية للدولة.
وقالت طاحون في تصريحات خاصة لـ “موقع تمويل” إن هذه الخطوة تؤكد توجه مصر نحو تعزيز استقلالها الاقتصادي والتخفيف من الاعتماد التاريخي المفرط على الدولار الأمريكي، خاصة في ظل الأزمات الأخيرة التي عانت فيها مصر من اختناقات سيولة بسبب شح الدولار وتزايد الطلب عليه لتغطية الواردات وسداد الالتزامات الخارجية.
وأضافت: “هذا القرار يأتي في توقيت شديد الحساسية، حيث يواجه الاقتصاد المصري تحديات تتعلق بسوق النقد الأجنبي واستقرار الجنيه، وبالتالي فإن السماح باستخدام اليوان الصيني يمنح مصر متنفسًا أكبر ومرونة أوسع في إدارة مواردها النقدية.”
وأوضحت أن كل معاملة تُجرى باليوان تعني فعليًا توفير دولارات كانت ستخرج من الاحتياطي، وهو ما سينعكس بشكل مباشر على تثبيت سعر الصرف واستقرار السوق وتقليص معدلات التضخم، وهو أمر سيلمس أثره المواطن في أسعار السلع المستوردة.
وأشارت الخبيرة الاقتصادية إلى أن القرار لا يمكن عزله عن السياق العالمي الأوسع، حيث يشهد العالم تحولًا ملحوظًا نحو فك الارتباط الجزئي عن الدولار، لا سيما من جانب دول مجموعة البريكس التي انضمت إليها مصر مؤخرًا، موضحة أن توجه القاهرة لاستخدام اليوان يتسق مع هذا المسار.
كما اعتبرت أن تنويع العملات المستخدمة في التجارة الدولية سيتيح لمصر فرصة تنويع مكونات احتياطي النقد الأجنبي لديها، موضحة: “بدلًا من الاعتماد شبه الكامل على الدولار أو اليورو، يمكننا الآن بناء سلة عملات تشمل عملات شركاءنا التجاريين الرئيسيين مثل الصين وروسيا والهند، وهو ما يمنحنا قدرة أكبر على مواجهة أي صدمات مالية أو تقلبات مفاجئة.”
وأشارت إلى أن القرار يحمل في طياته أيضًا بعدًا استثماريًا مهمًا، موضحة أن الشركات الصينية العاملة في مصر كانت تواجه صعوبات واضحة في التعاملات الدولارية، وهو ما يعرقل ضخ استثمارات جديدة. ومع إتاحة التعامل باليوان، سيتم إزالة الكثير من العقبات أمام دخول استثمارات صناعية وتكنولوجية صينية للسوق المصرية، وهو ما يدعم جهود الدولة في تعميق الصناعة المحلية ونقل التكنولوجيا.
وأضافت طاحون أن هذه الخطوة قد تمهد لتوقيع اتفاقيات مبادلة عملات مستقبلاً بين البنك المركزي المصري ونظيره الصيني، بما يتيح توفير سيولة مباشرة باليوان دون الحاجة لوسيط دولاري، ويسهل تسوية المدفوعات ويقلل الضغط على الاحتياطي من النقد الأجنبي.
وأكدت أن السماح باستخدام اليوان من شأنه تهدئة تقلبات سعر صرف الجنيه: “كلما زادت حصة اليوان في التبادل التجاري، تقلصت الحاجة لشراء الدولار، وبالتالي يخف الضغط على سوق العملة ويصبح لدينا نوع من التوازن النقدي المستدام.”
كما شددت على أن خفض الطلب على الدولار سيخلق مناخًا أكثر استقرارًا، ويؤثر بشكل إيجابي على أسعار السلع المستوردة، ويخفف أعباء المستهلك المصري الذي عانى في السنوات الماضية من موجات تضخم ناتجة عن تراجع الجنيه وارتفاع تكلفة الاستيراد بالدولار.
وفي سياق متصل، أوضحت طاحون أن هذا التوجه يساهم أيضًا في تعزيز سيادة القرار الاقتصادي المصري، مؤكدة أن الدول التي تعتمد على عملة أجنبية واحدة تظل معرضة لتأثير قرارات اقتصادية وسياسية لا تشارك في صناعتها، في حين يمنح تنويع العملات هامشًا أكبر من الاستقلالية والمرونة في إدارة الأزمات.
وأشارت إلى أن الصين من جانبها قد تصبح أكثر استعدادًا لتقديم تسهيلات مالية وتجارية لمصر في ظل تفعيل التعامل باليوان، بما يدعم شراكات جديدة في قطاعات استراتيجية، لاسيما مجالات التكنولوجيا والطاقة المتجددة، موضحة أن ذلك قد يسهم أيضًا في خفض عجز الميزان التجاري مع الصين.
وذكرت الخبيرة الاقتصادية أن مصر مطالبة بالاستعداد المؤسسي لتطبيق هذا التوجه بنجاح، قائلة: “يجب تطوير البنية التحتية المصرفية للتعامل باليوان، وتدريب العاملين في القطاع البنكي على أساليب التحويل والتسوية بالعملة الصينية، مع تكثيف حملات توعية لمجتمع الأعمال حول كيفية التعامل باليوان بشكل فعال.”
كما دعت إلى استمرار التنسيق الوثيق بين البنك المركزي المصري ونظيره الصيني لضمان تدفق السيولة باليوان دون انقطاع، مع وضع آليات واضحة لضبط عمليات التحويل وتسوية المدفوعات بسرعة وسلاسة.
وأضافت أن القرار يعكس قراءة واعية للتغيرات الهيكلية في النظام المالي العالمي، مؤكدة أن العالم يتجه تدريجيًا نحو نظام متعدد العملات، وأن مصر لديها فرصة كبيرة للانخراط بفاعلية في هذا التحول بما يحقق التوازن ويقلل من تبعية الاقتصاد الوطني للتقلبات الخارجية.
واختتمت طاحون تصريحاتها قائلة: “هذه الخطوة ليست مجرد قرار تقني أو محاسبي، لكنها تعبر عن تحول جوهري في فلسفة إدارة الاقتصاد الوطني، وإشارة واضحة إلى رغبة مصر في بناء نظام نقدي أكثر مرونة وتنوعًا قادرًا على استيعاب الصدمات وتحقيق النمو المستدام.”
وأكدت في ختام حديثها أن نجاح القرار سيتضاعف إذا رافقته إصلاحات هيكلية شاملة تعزز الإنتاج المحلي وتزيد من معدلات التصدير، قائلة: “إذا تحركنا في هذين المسارين معًا، سنكون أمام نقطة انطلاق حقيقية نحو اقتصاد مصري أكثر استقلالية وقوة واستقرارًا، يمكنه مواجهة تحديات العقود المقبلة بثقة.”
يقدم موقع تمويل تغطية شاملة ومحدثة على مدار الساعة لأهم الأخبار الاقتصادية، مع متابعة دقيقة لقطاع البنوك، وتحليل شامل لحركة البورصة والأسواق المحلية والعالمية، بالإضافة إلى تقارير متخصصة حول التأمين والأسواق العربية والعالمية.
كما نسلط الضوء على أحدث تطورات البترول والطاقة وتأثيرها على الأسواق، إلى جانب متابعة دقيقة لقطاعات السياحة والطيران، الاتصالات والتكنولوجيا، وصناع مصر.
نهتم أيضًا بأسواق السيارات، وقطاع العقارات، بالإضافة إلى رصد المستجدات في الزراعة. ولعشاق التنوع، نقدم محتوى متجددًا في قسم منوعات. تابع موقع تمويل للبقاء على اطلاع دائم بأحدث أخبار الاقتصاد والمال والأعمال.
